قبل العديد من السّنوات، انتشرت فجأة سلسلة كثيفة من تطبيقات القراءة السريعة والمقالات التي تتحدث حول القراءة السريعة. يعتمد معظم تلك التطبيقات على مفهوم العرض المرئي التسلسلي السريع (RSVP). حيث تتحكَّم هذه التطبيقات في ما تراه عيناك وتزيلُ العملية الطبيعية للقراءة، التي هي أحد مفاتيح فهم القراءة.
يقرأ الشخص البالغ المتعلّم ما بين 250-400 كلمة في الدقيقة. تطمح القراءة السريعة إلى مضاعفة معدل القراءة الأساسي مرتين أو ثلاث مرات أو حتى أكثر من ذلك.
القراءة السريعة لها حالة استخدام معيّنة. فمن المنطقي استخدامها (إذا كنت قادرًا) عندما تريد فهم الأفكار العامّة. ولكن من غيرِ المنطقي أن تستخدمها عندما يكون هدفك هو اكتسابُ المعرفة. الخلاصة: إنّ الفهم ينخفضُ مع ارتفاع سرعة القراءة.
تتضمن القراءة بغرض التعلّم أكثر بكثير من مجرّد تحقيق الفهمِ البسيط. الفهمُ لا يعادل اكتساب المعرفة. يجب عليك توظيفُ ما وراء المعرفة. عليك أن تقرأ ببطء من أجل تمكين وتنشيط العمليات التي تدعم اكتساب المعرفة أثناء قراءتك. إذا كنت تقرأ للتعلم، فأنت بحاجة إلى التفاعل مع المحتوى وربط المفاهيم الجديدة بمعرفتك الحالية. عندها فقط يمكنك تثبيت المعرفة الجديدة في عقلك وتكون قادرًا على الاستفادة من هذه المعرفة في المُستقبل.
كلّما زادت القراءة البطِيئة، زادت قاعدة المعرِفة لديك. إذا كنت ترغبُ في توسِيع معرفتك بشكل كبير، فكُن قارئًا بطيئًا نهمًا.
كيفية القراءة ببطء والتعلم عن قصد.. لكن أولاً، سأُخبرُك كيف تكتسب عقولنا معارف وذكريات جديدة.
كيف نتعلّم أشياء جديدة
نحنُ نقومُ بتخزين المعلوماتِ في البداية في الذاكرة الحسية. تستقبلُ الذّاكرة الحسية المجموع الكلّي لجميعِ المُدخَلاَت الحسية، وهي عبارةٌ عن كمٍّ كبير من البيانات. تخيل أنّك تمشي داخل الملعب وفي جزء من الثانية، شاهدت آلاف الوجوه، وفي الوقت نفسه، تصلُك كميّة هائِلة من المُدخلات الحسية غير المرئِية. هناك الكثيرُ من أنواع الروائح، وفي نفسِ اللّحظة تواجه إدخالاتٍ حسية أُخرى مثل إحساسِك بالتوازن واللمس وإدراك الحس والاهتزاز ودرجة الحرارة.
كيف يمكنك تخزين تلك البيانات الضخمة المستمرة طول حياتك؟ إدخال الذاكرة الحسية ساحق ولحسن الحظّ، فإن عمرها قصير جدًا. يمكنك تخزينها لأقل من ثانية واحدة فقط في كلّ مرة قبل أن تختفي. تتبخر 99.99% من ذاكرتنا الحسية في جزء من الثانية.
تبقى نسبة صغيرة من الذّاكرة الحسية وتنتقل إلى الذّاكرة قَصيرة المدى. الذاكرة قصيرة المدى زائلة أيضًا، وتستمر في مكان ما من 10 ثوانٍ إلى 30 ثانية. في ظروفٍ معينة، قد تستمر لمدة تصل إلى دقيقة.
الذاكرة قصيرة المدى محدودة للغاية في السِّعة. وتوج البحث الأساسي لهذه السّعة المحدُودَة في ورقة بقلم الأستاذ بجامعة هارفارد جورج ميللر. واقترَحَ أنه يُمكنُنا أن نتذكر فقط سبعة أشياء، لبضع ثوان عابرة فقط، مثل أرقام الهاتف.
إذا كانت بيانات الذّاكرة الجديدة مهمّة بما يكفي للتذكر بعد بضع ثوانٍ، فقد يتم تخزينها في ذاكرتك طويلة المدى، وربما تتذكَّرها مدى الحياة. (وسأعرضُ لكم كيف نصِل لذلك بعد قليل)
لكن اليوم، لدى علم النفس المعرفي فهم أعمق لكيفية عمل الذاكرة.
تودّ لو كنت تقرأ أكثر؟ تعرّف على 20 نصيحة بسيطة لتحويل القراءة لعادة يومية
الذَّاكرة العاملة
فيما يلي نظرة عامّة وملخص لفهمنا الحالي للذاكرة العاملة.
- السلطة التنفيذية المركزية
السلطة التنفيذية المركزية هي نظام متعدِّْد الأوجه “يشرف” على التحكم في الذاكرة العاملة. إنها تمكِّننا من تركيز انتباهنا على “الشيء” الحالي المهم بينما يتم قمع “الأشياء” الأخرى غير ذات الصلة.
يمكن أن تكون هذه “الأشياء” شيئًا في العالم الخارجي أو يمكن أن تكون كيانًا داخليًا مثل أشياء من الذاكرة. كما أنها تمكّن قدرتنا على تنسيق الأداء بين العديد من المهام، لأنه في حياتنا اليومية الحديثة نادرًا ما نقوم بعملٍ واحد فقط، إذ يجب أن نكون قادرين على تطبيق ذكريات متعددة أو مفاهيم مكتسبة في وقتٍ واحد.
أخيرًا، تُمكّننا من استعادة الذكريات طويلة المدى، حتى نتمكن من تطبيقها والعمل معها من أجل تحقيق أهدافِنا الحالية.
- لوحة التخطيط البصري المكاني
يُشار إلى لوحة التخطيط البصري المكاني، التي يُشار إليها عادةً باسم “عين العقل”، إلى “أنظمة العبيد”.
لوحة التخطيط هي المكان الذي تتخيّل فيه عقليًا، تجربة حالية ما أو ذَاكرة بصرية. على سبيل المثال، إذا طلبت منك وصف تجربة المشي في منزلك، فسوف تصورها في “عينيك” كما تصفها. تتكون لوحة التخطيط هذه من مكوّنين:
توجد ذاكرة تخزين مؤقَّت مرئية تخزِّن المعلومات الضوئية ولا تعالجها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الناسخ الداخلي الذي يتدرَّب ويعيدُ البيانات المرئية والمكانية والحركة. يمررها إلى السلطة التنفيذية المركزية.
- الحلقة الصوتية
تتكوّن الحلقة الصوتية أيضًا من جزأين: مخزّن صوتي لآثار الذاكرة السمعية التي تتحلّل بسرعة في حوالي ثانيتين، وعملية مِفصلية نستخدمُها لإطالة عمر الآثار السمعية في الذّاكرة.
فكر في كيفية تكرار رقم هاتف بصمت مرارًا وتكرارًا حتى تتمكّن من العثور على قلم وكتابته. إنّه هذا الحدّ الذي يصل إلى ثانيتين من “شريط” الذّاكرة السّمعية.
- التشغيل المستقل لأنظمة الكدح
من المثير للاهتمام أنّ نظام الكدح يعمل تقريبًا كما لو أنّه موجود على نوى منفصلة على وحدةٍ معالجة مركزية. يمكنه التعامل مع مهمَّة واحدة فقط في كل مرة ولا يمكنه القيام بمهام متعدِّدة. فهو منطقة مميزة تشريحيًا من الدماغ، يمكنها العمل بالتوازي في مهامها الخاصَّة.
لهذا السبب، على سبيل المثال، قد نكافح لتذكُّر رقم هاتف تمّ إخباره لنا في مقهى صاخب: الحلقة الصَّوتية مشغُولة بالفعل بسبب أصواتِ الخلفية. ولكن يمكننا بسهولة تذكر صوت ووجه أحد الأحباء في نفس الوقت لأنَّ هذه المهام تستخدم بشكلٍ منفصل عبر نظام الكدح.
- المنطقة العازلة العرضية
نصل بوعيٍ إلى المخزن العرضي، حتى نتمكّن من استخدام محتواهُ للمُساعدة في إتمام المهمَّة الحالية. قد يدخُل المخزن العرضي أيضًا في كيفية تبادل الذكريات بين الذّاكرة القصيرة والطويلة المدى.
- الحُصين
يعتبرُ الحصين- وهو جزء من الدماغ في الفصِّ الصدغي- ضروريًا لتحويل الذاكرة قصيرة المدى (المخزنة في المنطقة العازلة العرضية) إلى ذاكرة طويلة المدى. إذا تمَّت إزالة الحُصين الخاص بك، فلن تكُون قادرًا على إنشاء ذكرياتٍ جديدة طويلة المدى.
لعشاق الكتب خليك في البيت: تطبيقات إلكترونية مفيدة تسهل القراءة!
تحقيق أقصى استفادة عن طريق القراءة البطيئة
الآن بعد أن أصبح لدينا أساس جيد وفهم لكيفية عمل الذاكرة، يمكننا التركيز على أهمية القراءة البطيئة لتحقيق التعلم بشكلٍ أعمق.
قلنا في البداية أن “القراءة من أجل المعرفة” لا تحدث ببساطة من خلال مشاهدة كلمات الصفحة و “بام!”، سيتم حفظ الأفكار والحقائق والمفاهيم في ذاكرتك طويلة المدى وتكُون مُتاحة للاستخدام في المستقبل.
في الواقع، لا يعملُ الأمرُ هكذا، إنّ النجاح الذي يروّج له دعاةُ القراءة السريعة هو مجرّد الحفاظ على الفهم الكافي العام أثناء القراءة.
في نهاية المطاف، يجب أن تؤدّي القراءة إلى اكتساب معرفة دائمة يمكنُ استخدامها في المستقبل لحلِّ تحديات الحياة، وخلق أفكارٍ جديدة، وتجميع حلولٍ جديدة.
هل جربت أن طُلِبَ منك الكتابة عمّا تعلمته، أو عن موضوع الكتاب الذي قرأته، ممم.. يبدو أنّه لا يمكنك حتى ملء ورقة واحدة؟ أراهن أنّ هناك الكثير من الكتب التي قرأتها حيث يمكنك أن تقول فقط عن محتواها مثلا، “إنه كتاب مفيد حول الدّماغ”!
لدينا شبكة من المعرفة في أذهاننا، شبيهة بالإنترنت. تتطلّب إضافة شيءٍ إلى معرِفتنا إجراء اتصالات ذهنية جديدة بما نعرفه بالفعل.
من خلال القراءة ببطء، فأنت تسمح لعقلِك بالوقت المطلوب لتوظيف السُّلطة التنفيذية المركزية. تحتاج إلى تركيز انتباهك، والاستفادة من الحلقة الصوتية ولوحة التخطيط البصري المكاني. يجب نقلُ الأفكار والمفاهيم والحقائق الجديدة التي تواجهُها إلى المخزن المؤقّت العرضي حيث يمكنك اللعب بها ومعالجتها.
كذلك، عندما تقرأ، يجب أن يكون لديك حوارٌ داخلي باستخدام صوتك الداخلي (حلقة صوتية) لضمان جودة الكلمات التي تراها وتقرأها (لوحة التخطيط البصري). وعندما تقرأ، يجب أن تسأل نفسك بوعي أسئلة مثل: “هل أنا مهتم أم أنّ عقلي قد انحرف بعيدًا؟”، “هل لهذا معنى؟”، “بما أنّ هذا المعنى غير واضح، فماذا أفعلُ لفهم هذا المفهوم بشكلٍ أفضل؟”، وهكذا دواليك.
ثم يجب عليك استخدام نتائج هذا الاستجواب الذاتي لتنظيم خطواتك التالية لإتقانِ المادة المقروءة.
خليك بالبيت القراءة للجميع: فكرة اندثرت، وأحياها فيروس كورونا مع الكتب المجانية!
كيف تقرأ بشكلٍ أعمق
قد يكونُ من المفيد أن يكون لديك بعض الأمثلة على أنواع الأسئِلة التي يمكنك استخدامها لتحفيز حوار داخلي أثناء قراءتك، وإليك 30 سؤالًا لتبدأ به:
- هل هذا شيء أريد أو أحتاج إلى حفظه؟
- هل يمكنني التفكير في أي شيء آخر أعرفه يتعارض مع هذا المفهوم؟
- ما الأشياء الأخرى التي أعرفها بالفعل تدعم صحّة هذا المفهوم؟
- هل يمكنني التفكير في أي أمثلة عملية على ذلك؟
- هل هذه هي المرة الأولى التي صادفت فيها هذه المفاهيم؟
- أين وجدت هذه الفكرة من قبل؟
- كم أنا متأكد من أن هذا صحيح؟
- هل هذا يتعلّق بأي شيء آخر أعرفه بالفعل؟
- أين يُمكن أن أجد مثالاً على ذلك في الحياة؟
- ما هي المفاهيم الأخرى ذات الصلة التي تتبادرُ إلى الذّهن؟
- ما مدى صعوبة فهم هذا؟
- كيف يمكن تطبيق هذه المعلومات في حياتي؟
- ما الذي أعرفه أيضًا عن هذا الموضوع؟
- ما الأشياء الأخرى التي أود التعرف عليها حول هذا الموضوع؟
- هل أفهم هذا تماما؟
- هل يمكنني تقسيم هذا إلى أجزاء أصغر؟
- كيف أشرح هذا لطفل؟
- كيف يتناسب هذا مع بقية ما أعرفه عن هذا الموضوع؟
- هل هذه المعلومات موثوقة؟
- هل هذا قابل للتصديق تماما؟
- هل أجد هذا مثيرًا للاهتمام ولماذا؟
- كيف يمكنني تطبيق هذا في العالم الحقيقي؟
- هل أشعر بالفضول لمعرفة المزيد عن هذا؟
- ماذا يعني هذا بالنسبة لي؟
- هل أحتاج إلى استشارة مصدر آخر لفهم ذلك بشكل أفضل؟
- ما الأسئلة التي يثيرها هذا بالنسبة لي؟
- لماذا هذا مهم؟
- ما الطرق الأخرى التي يمكنني من خلالها التعبير عن هذا المفهوم؟
- هل أود أن أتذكر هذا إلى الأبد؟
- كيف يمكنني تلخيص هذا بإيجاز؟
بعض الأشخاص يقرأون 100% بشكل سلبي ولا يحصلون على أيّ فائدة مقابل الوقت الذي يقضونه في القراءة. حاول أن تسأَلَ نفسك بوعيٍ وبشكل متعمّد المزيد من الأسئلة أثناء قراءتك. تحدث إلى نفسك!
يؤدي هذا إلى إبطائك للتفاعل مع المادة. حسناً، أحثّك على تبني القراءة البطيئة. اقرأ الكثير من الكتب الرائعة، ولكن ببطء وعمق.
ترشيحات معرض الكتاب 2020 5 كتب عن حب القراءة عليك اقتنائها
القراءة البطيئة هي الطريق إلى التعلم العميق، لأنّك تستخدمُ ذاكرتكَ العاملة لإجراء محادثة داخلية لمراقبة جودة قراءتك، وضمان جودة التعلّم أيضاً.
دليلك الشامل للقراءة البطيئة لترسيخ المعرفة بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
أراجيك
https://www.arageek.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق