يعتبر الأدب على مر العصور وفي أغلب المجتمعات هو الحامل الثقافي والفكري والعاطفي والمعبر عن أغلب جوانب الحياة، لقد تلوّن الأدب بحسب طبيعة المجتمع وحسب الجغرافيا التي انطلق منها، فالأدب هو التعبير الأمثل عن مكنونات مجتمعٍ ما سواء العاطفية أو الروحية، سنتكلم هنا عن أدب يعتبر نموذج للتعبير عن جمالية وعشق الحياة ألا وهو الأدب الأندلسي .
لقد اتسع الأدب الأندلسي وتأثيره خارج الحدود الجغرافية لما يسمى بالثقافة الأندلسية، والتي توزعت ما بين المغرب العربي شمال إفريقيا وصقليا والأندلس “إسبانيا حاليًا”، فقد تعددت المراكز الأدبية والثقافية التي كانت تجذب إليها الأدباء والشعراء، وكثر الممدوحون وحُماة الأدب ورُعاته، كما كثرت دواوين الإنشاء، فقد تطور الأدب الأندلسي نتيجة لظروف محلية وظروف خارجية.
الشعر الأندلسي
وينقسم إلى مذهبين:
المذهب العربي
اتسم هذا المذهب بسمتين هما الجزالة وشدة التدفق، ومن أهم شعراء هذا المذهب هو ابن هانئ الأندلسي، وكان المذهب العربي ردة فعل على حالة الترف والبذخ التي انتشرت لدى المجتمع الأندلسي، كما وصفه بعض الباحثين بأنه كان مقاومة للاتجاه الحضاري، لقد اختار الشاعر الزهد والطبيعة كشكل من أشكال الرد على المسرفين في الكيدية والمدائح.
أما بالنسبة لشعر الغزل فقد ازدوج أسلوب الغزل وانقسم إلى قسمين فنيًا وخلقيًا معًا، ما بين غزل مكشوف فاضح، وآخر وُصِفَ بالغزل العذري والعفيف، وتطور الأمر لينقسم ذلك الازدواج ما بين عصبية للعرب وعصبية ضدهم.
استطاع العرب إكساب الشعر الجديد خشونة الشعر البدوي بالإضافة لتأثره بقوة خارجية، وكان أهم من تأثر بهم شعراء الأندلس أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري، فقد تأثر الشاعر عبد المجيد ابن عبدول بشعر المتنبي، هذا الشاعر الذي عاش في كنف المتوكل صاحب السيد بطليوسي، فمن قصائده التي كان واضحًا فيها تأثره بالمتنبي:
هيهات لا أبتغي منكم هوىً بهوى حسبي أكونُ محبًا غير محبوب
فما أراحُ لذكرى غــــــــــــيرِ عاليةٍ ولا ألذُّ بحبٍّ دون تعـــــــــــذيب
ولا أُصالحُ أيامـــــــــي على دَخَنٍ ليس النفاق إلى خُلقي بمنسوب
يا دهر إن توسعِ الأحرار مظلمـــةً فاستثني إن غيلي غيرُ مــقرب
ولا تخلْ أنني ألقاك مُنــــــــتفردًا إن القناعةَ جيشٌ غيرُ مـــــــغلوبِ
وتنوعت الاتجاهات في المذهب العربي وأهمها:
الفلسفي
أما أثر أبي العلاء فهو واضح بالاتجاه الفلسفي كلَّ الوضوح لقد تأثر كل الأدباء بشعر وفلسفة أبي العلاء، من أبرز المتأثرين به الشاعر محمد بن عبد الغفور الكلاعي فقد ألّف رسالة “السجاعة والغربيب” وهي معارضة لرسالة “الصاهل والشاحج” لأبي العلاء، ثم عارضه برسالة أخرى بعنوان “ثمرة الألباب” معارضًا فيها كتاب “سقط الزند” لأبي العلاء.
الرثاء
لقد تجاوز أسلوب العرب الشكل نحو الموضوع والجوهر، وخاصةً موضوع الرثاء والذي يبدو من خلاله جليًا طريقة العرب في بناء القصيدة، من أمثال هذا الشعر قصيدة الشاعر الكفيف أبو جعفر التطيلي:
وأعلن صرفُ الدهرِ لابني نويرة بيوم تناءٍ غال كلَّ تـــــداني
وكانا كندماني جذيمة حـــقبة من الدهر لو لم تنصرم لأوان
فهانَ دمٌ بين ألدّ كادك واللوى وما كان في أمثالها بمـــهان
الزهد
أما بالنسبة للاتجاه الزهدي فقد عُرِفَ بفترة مبكرة من الشعر الأندلسي على يد ابن أبي زمنين، وفي مراحل لاحقة بدأ نتيجة فوضى الحياة السياسية التي جعلت كثير من الناس عامةً والشعراء خاصةً يبحثون عن النجاة الروحية، مما دفع الكثيرون منهم ليتبعوا طريق الزهد سواء دينيًا او أدبيًا أو أخلاقيًا، لقد تأثر الكثير من شعراء الأندلس بأدب الزهد في المشرق وخاصةً بأبي العتاهية، من أمثال هذا الاتجاه ابن الحداد والسميسر، وكتب ابن حداد قصيدته بعنوان “حديقة الحقيقة” حيث يُظهر فيها فلسفته الزهدية:
ذهبَ الناس فانفرادي أنيسي وكتابي مُحدِّثي وجليــــسي
صاحبٌ قد أمنتُ منه مـــــلالا واختلالًا وكلَّ خُلقٍ بئيــــــس
ليس في نوعه بحيًّ ولـــكن يلتقي الحيُّ منه بالمرموس
الهجاء
في ذلك العصر كان للهجاء مجالًا واسعًا ولكن لم يصلنا الكثير منه، ومن أشعار الهجاء أهاجي ولادة في ابن زيدون، وأهاجي المهجة القرطبية في صديقتها ولادة، إلا أنه قلّ الهجاء في فترة حكم الموحدين، لكن بقي له مكانة في شعر الزجل لأنه يُنظم للعامة، أما في فترة ملوك الطوائف فقد اشتهر شاعران بالهجاء هما ابن سارة الشنتريني والسميسر، أما الشاعر الزاهد العارف أحمد الأقليشي فقد كتب قصيدة يحاسب نفسه ويقول:
ثلاثون عامًا قد تولــــــــت كأنها حُلومٌ نقضت أو برقٌ خواطف
وجاء المشـــيب المنذر المرء أنه اذا رحَلت عنه الشبيبةُ تالف
فجد بالدموع الحمرِ حزنًا وحسرة فدَمعك ينبي أن قلبك آسف
الهزل
كما ظهر في الأدب الأندلسي الاتجاه الهزلي، ومن أشهر هؤلاء الأدباء، وكانت هذه النزعة واضحة في فترة المرابطين وملوك الطوائف، فقد احتلت الفكاهة مكانة واسعة في الشعر والنثر، وتندر الأندلسيون بالفقهاء والقضاة وكان من أشهر الأدباء أبو عبدالله محمد بن مسعود، الذي كان متأثرًا بالاتجاه الهزلي بالأدب في المشرق، ومن هزليات ابن مسعود “أرجوزة” خاطب بها الوزير ابن بقنة وألقاها عن لسان جارية ومن هذه الأبيات:
جعلتني أسيرةً ممــــــــــــلوكة لطلعةٍ هائــــــــلة صُعلوكه
يُعزى- على الفال- إلى مسعود وهو شقيٌ ليس بالمحمود
لم يكن الهزل مقتصرًا على الشعر فقط وإنما النثر كان هو الأغنى بالسخرية من الشعر، ومن أهمهم الأديب عبد الرحمن بن طاهر ويعتبر من أقدر الناس على التندر، والكاتب أحمد بن عباس وأبي المغيرة بن حزم.
الغزل
أما الاتجاه الغزلي فقد كان غزيرًا، فقد صور ابن فرج هذا الاتجاه في كتابه “الحدائق”، والذي عبّر فيه عن مفهوم الغزل بكثرة التذلل والشكوى وذكر الدموع والسهر، وصدق الحب وتمني الموت، كما أن هناك كتابًا آخر لابن حزم هو “طوق الحمامة” ويدل الكتاب إلى نظرة الأندلسيين للحب والغزل وعلى عاداتهم في الهَيام، إلا أن ابن حزم قد ربط الحب بالنظرة الأفلاطونية، ووثق العلاقة بينه وبين الأخلاق وذلك بسبب طبيعته المتدينة.
كانت أشهر قصص الغزل بتلك الفترة قصة ابن السراج الملافي شاعر بني حمود، وهو يتغزل بجارية تدعى حُسن الورد وجارية تدعى أزهر، وقصة ابن الحداد ومحبوبته نويرة، لكن أشهر قصص الحب في الأندلس على الإطلاق قصة ابن زيدون ومحبوبته ولادة وقد طغت هذه القصة على سواها من قصص الحب والغزل الأندلسي، وذلك لأن بن زيدون وولادة ينتميان للطبقة الأرستقراطية،
ألم أوثرِ الصبر كيما أخــفّ ألم أكثر الهجر كي لا أُمــــــل
ألم أرض منك بغير الرضـــا وأبدي السرور بما لـم أنــــــل
وليت الذي قاد عفوًا إليــك أبيَّ الهوى في عنان الغــــزل
يحيلُ عذوبةً ذاك اللّمـــى وَيَشفي من السُّقم تلك المقل
مذهب المحدثين
لقد اكتظ بالصور الشعرية، كما لبس لباسًا فكريًا، وتأثر ببعض التيارات الفلسفية، وفقد بعضًا من غنائيته ورقته وشفافيته، وفيما بعد حدث تطور في سياق هذا المذهب ليولد فيه ما يعرف بالموشحات الأندلسية، والتي تعتبر حركة تجديدية وهي عودة للغنائية من جهة، وينطوي الموشح على كثير من مقومات الجاذبية والترف.
الموشحات
نال الموشح قدرًا كبيرًا لدى الأندلسيين، لكن بالفترة الأولى لم تدوَّن وتجاهلها أغلب المدونين وبقيت تُنقل شفهيًا، بالرغم من ذلك ظلّ الموشح فنًا مسموعًا يقدره كل من سمعه، أما أصل التسمية فقد تعددت مصادر تسميته، وتقول بعض المراجع أنّ الموشح يعني المُعلم بلون أو خط يخالف سائر لونه، ولكن بعض النقاد الأندلسيين تحدثوا عن مصطلح المغصّن والذي استعمله ابن عبد الغفور في كتابه “احكام صنعة الكلام”.
اعتبر ابن خلدون أن التوشيح سابق لفن الزجل، قائلًا:
لمّا شاع فن التوشيح في أهل الأندلس وقد أخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه، ونسجت العامة من أهل الأمصار الأخرى على منواله ونظموا فيه من غير أن يلتزموا فيه إعرابًا واستحدثوه فنًا وسموه الزجل.
قد تكون الحاجة الغنائية هي إحدى الأسباب التي ساعدت على ظهور الموشح، كثر الوشاحين في عصر الطوائف والمرابطين ومن أهمهم عبادة القزاز الذي كان شاعر المعتصم بن صمداح، ومن موشحاته:
بدر ثم شمس ضحى غصن نفا مســـك شم
ما أتم مـــا أوضــــــحا ما أورقـــــا مـــــا أنـــم
لا جــــرم من لـــمحا قد عشقا قد حـــــــرم
ومن ثم جاء بعد القزاز الوشاح بن رافع وهو شاعر المأمون بن زنون صاحب طليطلة، وله موشحات مشهورة وغنى بها في بلاد المغرب، كما اشتهر شاعر العباديين ابن لبانة، والشاعر ابن سعيد، والأعمى التطيلي في فترة المرابطين.
يتكون الموشح الأندلسي من وحدتين تتكرران عددًا من المرات: الأولى تسمى قفلًا والثانية غصنًا. لقد حقق الموشح نقلة نوعية في الشعر العربي وذلك من خلال بنائه على الإيقاع الخفيف والذي يقرب المسافة بين الشعر والنثر، كما كان هناك تأثير متبادل بين الشعر والموشح، فالموشح الشعري هو الحالة الوسط بين الموشح الغنائي والقصيدة.
الزجل
تطور عن الموشح لغة تكلم فيها الناس في مخاطباتهم اليومية أقرب للعامية، وسُمي هذا النوع من الأدب بالزجل، وتطورت الأزجال من الأغنية الشعبية إلى القصيدة الزجلية وكثرت أنواعها، كالمديح والغزل والتصوف، ومن أشهر الزجالين ابن قزمان، ومدغلّيس “أحمد ابن الحاج”، والششتري وقد كتب القصيدة والموشح وهو أول من استخدم الزجل في التصوف.1
النثر الأندلسي
كان فن النثر مظهرًا من مظاهر تطور الأدب الأندلسي وتنوعت أشكاله من رسائل وخطب مكتوبة ومقامات لكن ما يميزها جميعًا روح السخرية المصبوغة بها، وتسليط الضوء على موضوعات صغيرة تافهة ومن ثم إعادة صياغة هذه الموضوعات بشكل بطولي جاد، لقد كُتبت جميع الأشكال النثرية بأسلوب السجع بكل فنونه يستثنى من ذلك بعض الناثرين من أمثال ابن حيان وبعض رسائل ابن زيدون.
لقد نشأ فن سمي بالفن السلطاني وبني على نظام السجع الذي كان عبارة عن تقليد للنثر المشرقي، ومن أهم كتّاب هذا الفن أبو محمد بن عبد البر، وابن الجد، وابن القصيرة وغيرهم، لقد تميز الكاتب منهم بحسن اللياقة والتي من خلالها يهادن أو يهنئ.
الرسائل
من حيث غايتها قسمان وهي قسم فكري وهدفه محاكمة الأشياء والتأمل فيها دون الالتفات إلى الأسلوب البياني والأدبي، ومثال على ذلك رسائل ابن باجا الفلسفية، ورسالة الحدائق لابن السيد البطليوسي، ورسائل ابن حزم في الردود على مخالفيه.
أما القسم الثاني هو البياني والهدف منه إظهار البراعة اللغوية والسرد الأدبي.
الخطابة
ارتبطت الخطابة بمفهوم الغزو والفتوحات وذلك لاستنهاض الهمم وإذكاء روح الحماسة للجهاد، وبعد تمزّق البلاد وتحولها لمجرد ممالك متناحرة كان للخطباء دور بالدعوى إلى لمّ الشمل وترك التناحر، وظهرت الخطب المنمقة بفترة حكم المرابطين، ومن أهم خطباء تلك الفترة القاضي عياض الذي كان دائمًا يستعين بآيات من القرآن الكريم لاستنهاض الهمم والدفع إلى لمّ الشمل والتوحد في وجه الأعداء.
المقامات
هو نوع من فن الأدب الأندلسي أول ما ظهر في المشرق على يد بديع الزمان الهمذاني ومن ثم حذا حذوه محمد الحرير البصري وهي من أشهر المقامات، والمقامات نوع من القصص القصيرة الغنية بالحركة التمثيلية، ويدور فيها الحوار بين شخصين كما أن مؤلّفها يلتزم بالصنعة الأدبية التي تعتمد على السجع والبديع في صياغتها، وصلت المقامات إلى الأندلس في فترة سيادة مملكة قرطبة، وكان أول المتذوقين لها والنسّاجين على منوالها ابن شهيد، وقد ألّف مثلها قطعًا أدبية في وصف الماء والبرغوث والثعلب والحلوى وغيرها من القصص.
كان الاهتمام بمقامات محمد الحرير البصري كبيرًا، وقد أقبل كثيرٌ من الكتاب على معارضتها ومنهم ابن شرف القيرواني، وربما يعود سبب شهرة مقامات الحريري في الأندلس إلى الصلة التي تربط بين بعض الأندلسيين والحريري.
وقد أنتج الأندلسيون مقاماتهم الخاصة بهم فعلى سبيل المثال مقامتان لأبي عبدالله بن شرف القيرواني، ومقامات لابن قصير عبد الرحمن بن أحمد، ومقامات لسان الدين بن الخطيب وهي مقامات في السياسة ووصف البلدان، ومقامة العيد لأبي محمد عبدالله الأسدي، ومقامة أبي حفص عمر ابن الشهيد وغيرها كثير من المقامات.2
لقد حاولنا مما سبق أن نسلط الضوء على بعضٍ مما أُنتِجَ في الأدب الأندلسي ومراحل تطوره أثناء فترة ملوك الطوائف ودولة المرابطون، للكشف عن بعض جوانب هذا الأدب الغني بشقيه الشعري والنثري.
الاتجاهات السائدة في الأدب الأندلسي في عصر ملوك الطوائف والمرابطين بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
أراجيك
https://www.arageek.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق