هل يوجد حب حقيقي في الحياة؟ أو كما يغني ناصيف زيتون “كلو كذب ما حدا بيعشق حدا”.. هذا ما يتساءله الأشخاص الذين يعانون من فوبيا الوقوع في الحب، أو لا يؤمنون بوجود حب حقيقي فعلًا. فعلى الرغم من السعادة التي تغمر الإنسان عند الارتباط، إلّا أنه يوجد مخاوف طبيعية لدى البعض بشأن استمرار العلاقة، ومخاوف مرعبة لدى البعض الآخر تجعلهم يرفضون الفكرة تمامًا، علميًّا؛ تسمى هذه الحالة “الفيلوفوبيا”.. إذن ما هي أسباب الفيلوفوبيا وكيف يمكن تجاوز هذه الفوبيا.
الفيلوفوبيا Philophobi
كما هو الحال بوجود فوبيا من الأماكن المزدحمة أو المغلقة، أو الخوف من المرتفعات أو أنواع معينة من الحيوانات، أيضًا يوجد رهاب الحب، يمكننا تسميتها رهاب الوقوع في الحب والخوف من الارتباط العاطفي، جاءت التسمية العلمية للفيلوفوبيا من كلمة (philos) والتي تعني الحب، وكلمة (phobos) والتي تعني الخوف وهما مصطلحان يونانيان. إذن؛ الفيلوفوبيا مرض فعلي حقيقي، يتجاوز مشاعر الخوف الاعتيادية، حيث يمكن أن يؤثر بشكلٍ سلبي على حياتك بأكملها.
تختلف الفيلوفوبيا عن اضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي)، حيث أن الرهاب الاجتماعي هو حالة الخوف الشديد عند التعرض لمواقف اجتماعية مختلفة حسب سياق الموقف، إنما الفيلوفوبيا تأخذ منحىً مختلفًا قليلًا.
أعراض الفيلوفوبيا
إذا كنت تعاني من الفيلوفوبيا، فقد تظهر لديك ردود فعل نفسية وجسدية عند الإحساس بمشاعر الحب تجاه شخصٍ ما، طبعًا تختلف الأعراض من شخصٍ لآخر:
الأعراض النفسية للفيلوفوبيا
- مشاعر الخوف الشديد والهلع والذعر من شعور التعلّق بأحدهم.
- صعوبة في التركيز أثناء العمل.
- التهرّب الدائم.
- البكاء أحيانًا.
الأعراض الجسدية
- التعرق الدائم.
- تسرّع ضربات القلب.
- صعوبة في التنفس.
- غثيان واضطراب المعدة.
- رجفان في بعض الأحيان.
قد تدرك بينك وبين نفسك أن هذا الخوف غير منطقي، ولكنك مازلت تشعر بعدم القدرة على التحكم فيه.
أسباب الفيلوفوبيا
- تشير الدراسات إلى أن أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بالفيلوفوبيا هم من عانوا من صدمات أو أذية نفسية في الماضي، فمثلًا إذا تم التخلي عن الشخص عندما كان طفلًا أو كانت العلاقة بين والديه مضطربة دائمًا، أو جرّب الارتباط لمرة وكُسر قلبه، يبعث ذلك في نفسه ردة فعل عكسية تجاه أي أحد يحاول التقرب منه خوفًا من تكرار الصدمة، يعمل المصاب بالفيلوفوبيا على تجنب العلاقات العاطفية لتجنب الشعور بالألم الذي تعرّض له سابقًا.
- قد يحصل رهاب الحب بسبب حالة وراثية، حيث يولد بعض الناس بميلٍ إلى أن يكونوا أكثر قلقًا تجاه أمور معينة في الارتباط، وقد تتطور حالتهم للأسوأ بسبب التغيرات في وظائف الدماغ.
- قد يعاني بعض الأشخاص من اضطراب القلق، حيث يعتبر هؤلاء أنهم لا يستحقون الحب ولن يحبهم أحد على الإطلاق مما يخلق لديهم فكرة سلبية حول الحب، أو الزواج بسبب الخوف من الرفض والانفصال أو الطلاق.
تشخيص الفيلوفوبيا
على الرغم من عدم وجود تشخيص فعلي لهذا المرض أو مصطلح يخصّه في تاريخ الطب، باعتباره حالة نفسية وتؤدي أحيانًا إلى تأثيرات جسدية وإرهاق، إلا أنه عندما تشعر بأنك تملك أعراض الفيلوفوبيا، تحتاج إلى استشارة طبيب أو معالج نفسي، سيقيم الطبيب حالتك بناءً على الأعراض وتاريخك الطبي والنفسي والاجتماعي.
المضاعفات
إذا لم يتم علاج مرض الفيلوفوبيا، فقد يؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة مثل:
- العزلة الاجتماعية وصعوبة المحافظة على علاقات طويلة الأمد.
- الاكتئاب والقلق الدائم.
- تعاطي المخدرات أو الكحول.
- العجز الجنسي أحيانًا.
- قد ينتهي الأمر بالانتحار.
المؤشرات الأكثر شيوعًا لمعاناتك من الفيلوفوبيا
إليك بعض المؤشرات التي قد تدلك للتأكد من معاناتك من فوبيا الحب، لا تذعر إذا تحققت لديك حالة أو اثنتان فقط من الحالات، ولكن في حال تحقق وجود الجميع…
- عدم القدرة على التخلص من الماضي: العلاقات والانكسارات العاطفية التي تعرضت لها سابقًا، قد تترك ندباتٍ من الصعب زوال أثرها.
- الخوف الدائم من كسر القلب: بعد خيبة الأمل التي تتعرض لها، من الصعب أن تعطي قلبك لشخص آخر، دائمًا ما تشعر بأنه سيؤذيك ويسحق قلبك ويكرر ألمك مرة أخرى.
- الانعزال وعدم القدرة على تقبّل الآخرين عاطفيًا: لا يعني ذلك بأنك انطوائي، قد تملك الكثير من الأصدقاء من كلا الجنسين، ولكنك لن تتقبل تعمق أحدهم في حياتك.
- فقدان الثقة: خصوصًا في حال كان انكسارك في العلاقة الأولى بسبب الخيانة، بالتالي تصبح أكثر حرصًا وتتعلم بأنك الشخص الوحيد الذي يمكن الثقة به والاعتماد عليه.
- تقدّر حياتك الفردية كثيرًا: لديك قناعاتك وعاداتك وأسلوب حياتك والذي لا تريد تغييره من أجل شخص ما.
- تخاف من فكرة الالتزام وتشعر أنك محبوس: إذا كنت في علاقة ارتباط، ورافقك شعور بأنك مقيّد أو حياتك ملك لشخص غيرك، أو أنك تفقد شخصيتك، فهذا يعزز مشاعر الخوف لديك ويحدث مشاكل في العلاقة.
علاج الفيلوفوبيا
تختلف طرق العلاج حسب شدة الحالة والرهاب، تشمل خيارات العلاج ما يلي:
العلاج النفسي للفيلوفوبيا
- العلاج السلوكي المعرفي CBT: والذي يتضمن تحديد الأفكار والمعتقدات السلبية لدى المريض والتي سببت له هذه الحالة من الهلع، وردود الفعل تجاه مصدر الرهاب، وبمجرد معرفة المصدر، يتم التعامل مع المريض على أساسه والتحدث إليه بغية تغيير طريقته في التفكير والتصرف.
- من الممكن أنك قد تهوّل لنفسك قضية الارتباط أكثر من اللازم: يقول سكوت ديهورتي Scott Dehorty (وهو مدير تنفيذي في مجموعة دلفي السلوكية للصحة): “بإمكاننا تخيّل وتنفيذ سيناريو صغير في مخيلتنا قبل البدء بحديث مع شخص آخر، أبسط مثال هو أنك تتوقع عندما تقابل شخص وتقول مرحبًا؛ بأنه سيرد عليك بأهلًا، بمعنى ثانٍ، إن توقُّع الأحداث والأسئلة وتحضير الأجوبة لها، من الممكن أن يساعد في بناء شخصية قادرة على التعامل بإيجابية وتحمل المسؤولية، ويخفف من التوتر الذي ينشأ عندما تشعر بأنك تقع في غرام شخصٍ ما ولا تعرف كيف تتصرف، أو حتى يفيدك في حياتك العملية”.
- تغيير نمط الحياة: بعد أن تشرح للطبيب نمط حياتك وماضيك، قد يوصي طبيب بتغيير روتين حياتك الذي تعيشه بشكلٍ كلّي، وربما ينصحك بإجراء التمارين الذهنية والرياضية الجسدية، وممارسة تقنيات الاسترخاء.
العلاج الطبي
يتم استخدام الأدوية أحيانًا كعلاج مساعد مع المعالجة النفسية، قد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب أو مضادات القلق، وإذا كانت هناك مشكلات متعلقة في الصحة العقلية عندها يشخّصها الطبيب المختص.
مساعدة مرضى الفيلوفوبيا
إذا كنت تعرف شخصًا يعاني من رهاب الحب، فيمكنك مساعدته ببعض النصائح:
- في بادئ الأمر، تعامل مع هذا المرض بشكل جدي، استمع للمريض وحاول أن تفهمه حتى إذا كنت تواجه صعوبة في فهمه.
- ثقّف نفسك حول رهاب الحب وكيفية التعامل معه قبل أن تعطي نصائحك.
- انصحه ولكن لا تضغط عليه ليقوم بأشياء ليس على استعداد للقيام بها، أو غير مقتنع بها، يجب أن تتروى وتصبر عليه.
- اسأله كيف يمكنك تقديم المساعدة له، وإذا لم يتجرأ على طلب المساعدة منك، شجعه لطلب المساعدة من أحدٍ آخر.
في النهاية، إن خوفك من الحب هو مجرد أثر جانبي لحدث معين أو لفكرة معينة في عقلك، ويمكن علاجه لا تقلق.. كل ما تحتاجه هو بعض الوقت، ولا تلم نفسك على مرورك بهذه الحالة، فهي فوبيا كغيرها من أنواع الفوبيا. قد قالت لي صديقة عزيزة في أحد الأيام: “يأتي الحب دائمًا، وبطرق غير متوقعة ولأشخاص لم نكن نتوقع الوقوع في حبهم؛ ولكن بطريقة ما، الحب موجود”.
الفيلوفوبيا …. رهاب الوقوع في الحب! هل هو مرض حقيقي؟ بواسطة أراجيك - نثري المحتوى العربي
أراجيك
https://www.arageek.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق